فصل: من فوائد ابن القيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن القيم:

قال عليه الرحمة:

.قصة هرقل:

وكان ملك الشام أحد أكابر علماءهم بالنصرانية هرقل، قد عرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا، وعزم على الإسلام، فأبى عليه عباد الصليب، فخافهم على نفسه، وضن بملكه مع علمه بأنه سينقل عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته. ونحن نسوق قصته:
ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس: أن أبا سفيان أخبره من فِيه إلى فِيه، قال: انطلقت في المدة التي كانت بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، وقد كان دحية بن خليفة جاء به، فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، فقال هرقل: هل هاهنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟، قالوا: نعم، قال: فدعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه، واجلسوا أصحابي خلفي، فدعا بترجمانه، فقال: قل لهم: إني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني فكذبوه، فقال أبو سفيان: وأيم الله لولا مخافة أن يؤثر عليَّ الكذب لكذبت.
ثم قال لترجمانه: سله كيف حسبه فيكم؟، قال: قلت: هو فينا ذو حسب. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟، قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، قلت: لا. قال: ومن اتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟، قلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟، قلت: لا، بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟، قال: قلت: لا. قال: فهل قاتلتموه؟، قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟، قال: قلت: يكون الحرب بيننا وبينه سجالًا، يصيب منا ونصيب منه. قال: فهل يغدر؟، قلت: لا، ونحن منه في مدة ما ندري ما هو صانع فيها، قال: فوالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئًا غير هذه. قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟، قلت: لا.
قال لترجمانه: قل له: إني سألتك عن حسبه، فزعمت أنه فيكم ذو حسب، وكذلك الرسل تُبعث في أحساب قومها، وسألتك: هل كان في آبائه ملك؟، فزعمت أن لا، فقلت: لو كان في آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك عن أتباعه: أضعفاؤهم أم أشرافهم؟، قلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟، فزعمت: أن لا، فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله عز وجل، وسألتك: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل سُخطة له؟، فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، وسألتك: هل يزيدون أم ينقصون؟، فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك: هل قاتلتموه؟، فزعمت أنكم قاتلتموه، فيكون الحرب بينكم وبينه سجالًا ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرسل تُبتلى، ثم تكون لها العاقبة، وسألتك هل يغدر؟، فزعمت أنه لا يغدر، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: هل قال هذا القول أحد قبله؟، فزعمت أن لا، فقلت: لو قال هذا القول أحد من قبله قلت: رجل ائتم بقول قيل قبله.
ثم قال: فبم يأمركم؟، قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف، قال: إن يكن ما تقول حقًا أنه لنبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أكن أظنه منكم، ولو أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي.
ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه، فإذا فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:
فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسين، و{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ الله وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}»
.
فلما قرأه وفرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده، وكثر اللغط، وأمر بنا فأخرجنا، ثم أذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم بالفلاح والرشد، وأن تثبت مملكتكم، فتبايعوا هذا النبي؟. فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان، قال: ردوهم علي، فقال: إني قلت مقالتي آنفًا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسدوا له، ورضوا عنه.
فهذا ملك الروم، كان من علمائهم أيضا، عرف وأقر أنه نبي، وأنه سيملك ما تحت قدميه، وأحب الدخول في الإسلام، فدعا قومه إليه، فولوا عنه معرضين {كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة}، فمنعه من الإسلام الخوف على ملكه ورياسته، ومنع أشباه الحمير ما منع الأمم قبلهم.
ولما عرف النجاشي ملك الحبشة أن عبّاد الصليب لا يخرجون عن عبادة الصليب إلى عبادة الله وحده أسلم سرًا، وكان يكتم إسلامه بينهم هو وأهل بيته، ولا يمكنه مجاهرتهم.
ذكر ابن إسحاق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه مكانه يدعوه إلى الإسلام، فقال له عمرو: يا أصحمة، علي القول وعليك الاستماع، أنك كأنك في الرقة علينا منا وكانا في الثقة بك منك، لأنا لم نظن بك خيرًا قط إلا نلناه، ولم نخفك على شيء قط إلا أمناه، وقد أخذنا الحجة عليك من فيك، الإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد، وقاض لا يجور، وفي ذلك موقع الحز، وإصابة المفصل، وإلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى ابن مريم، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس، فرجاك لما لم يرجهم له، وأمنك على ما خافهم عليه، لخبر سالف وأجر منتظر، فقال النجاشي: أشهد بالله أنه النبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب، وأن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل، وأن العيان ليس بأشفى من الخبر.

.كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي:

قال الواقدي: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه:
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، حملت بعيسى، فخلقه من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وإن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله إليك، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى».
فكتب إليه النجاشي:
«بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله، من النجاشي أصحمة، سلام عليك يا نبي الله من الله وبركات الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فلقد بلغني كتابك فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تفروقًا، أنه كما ذكرت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قر بنا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صادقًا مصدقًا، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين».
والتفروق: علامة تكون بين النواة والتمرة.

.كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط:

وكذلك ملك دين النصرانية بمصر، عرف أنه نبي صادق، ولكن منعه من اتباعه ملكه، وأن عبّاد الصليب لا يتركون عبادة الصلب، ونحن نسوق حديثه وقصته:
قال الواقدي: كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:
فإني أدعوك بداعية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن تليت فإن عليك إثم القبط، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ الله وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}»
وختم الكتاب.
فخرج به حاطب حتى قدم عليه الإسكندرية، فانتهى إلى حاجبه، فلم يلبثه أن أوصل إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال حاطب للمقوقس لما لقيه: أنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، {فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى}، فانتقم به، ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر بك غيرك.
قال: هات، قال: إن لنا دينًا لن ندعه إلا لما هو خير منه، وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له يهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبي أدرك قومًا فهم من أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به.
فقال المقوقس: إني قد نظرت في أمر هذا النبي فرأيته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب عنه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آلة النبوة من إخراج الخبء، والإخبار بالنجوى، ووصف لحاطب أشياء من صفة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: القبط لا يطاوعونني في اتباعه، ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك، وأنا أضن بملكي أن أفارقه، وسيظهر على بلادي، وينزل بساحتي هذه أصحابه من بعده، فارجع إلى صاحبك.
وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في حق من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتبًا له يكتب بالعربية، فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط:
سلام عليك، أما بعد:
فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيًا بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك. ولم يزد.
والجاريتان: مارية، وسيرين. والبغلة: دلدل، وبقيت إلى زمن معاوية.
قال حاطب: فذكرت قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ضن الخبيث بملكه، ولا بقاء لملكه».

.كتاب رسول الله صلى الله عليه إلى حيفر وعبيد ابني الجلندي:

وكذلك ابنا الجلندي، ملكا عمان وما حولها من ملوك النصارى، أسلما طوعًا واختيارًا. ونحن نذكر قصتهما، وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما، وهذا لفظه:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى حيفر وعبيد ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوكما بداعية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيًا ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وَلَّيتكما مكانكما، وإن أبيتما أن تقرّا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما، وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما. وختم الكتاب، وبعث به مع عمرو بن العاص.
قال عمرو: فخرجت حتى انتهيت إلى عمان، فلما قدمتها انتهيت إلى عبيد، وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقًا، فقلت: إني رسول رسول الله إليك وإلى أخيك، فقال: أخي المقدم عليَّ بالسن والملك، وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك.
ثم قال لي: وما تدعو إليه؟، قلت: أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وتخلع ما عبد من دونه، وتشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
قال: يا عمرو، أنك سيد قومك، فكيف صنع أبوك، فإن لنا فيه قدوة؟، قلت: مات ولم يؤمن بمحمد، ووددت أنه كان أسلم وصدّق به، وكنت أنا على مثل رأيه، حتى هداني الله للإسلام.
قال: فمتى تبعته؟، قلت: قريبًا، فسألني أين كان إسلامي؟، فقلت: عند النجاشي، وأخبرته أن النجاشي قد أسلم.
قال: فكيف صنع قومه بملكه؟، قلت: أقروه، قال: والأساقفة والرهبان؟، قلت: نعم.
قال: انظر يا عمرو ما تقول، أنه ليس خصلة في رجل أفضح له من كذب، قلت: ما كذبت، وما نستحله في ذلك.
قلت: كان النجاشي يخرج له خراجًا، فلما أسلم وصدق بمحمد قال: لا والله لو سألني درهمًا واحدًا ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله، فقال له نياق أخوه: أتدع عبدك لا يخرج لك خراجًا ويدين دينًا محدثًا؟، قال هرقل: رجل رغب في دين واختاره لنفسه، ما أصنع به، والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع.
قال: انظر ما تقول يا عمرو؟، قلت: والله لقد صدقتك.
قال عبد: فأخبرني ما الذي يأمر به وينهي عنه؟، قلت: يأمر بطاعة الله عز وجل، وينهي عن معصيته، ويأمر بالبر وصلة الرحم، وينهي عن الظلم والعدوان، وعن الزنا وشرب الخمر، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب.
فقال: ما أحسن هذا الذي يدعو إليه، لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد، ونصدّق به، ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير دينًا.
قلت: أنه إن أسلم مَلَّكه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم. قال: إن هذا لخلق حسن. وما الصدقة؟، فأخبرته بما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقات في الأموال، حتى انتهيت إلى الإبل، فقال: يا عمرو ويؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وترد المياه؟، فقلت: نعم، فقال: والله ما أرى قومي في بعد دارهم، وكثرة عددهم، يطيعون بهذا.
قال: فمكثت ببابه أيامًا وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري، ثم أنه دعاني يومًا فدخلت عليه، فأخذ أعوانه بضبعي، فقال: دعوه، فأرسلت، فذهبت لأجلس فأبو أن يدعوني أجلس، فنظرت إليه فقال: تكلم بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب مختومًا، ففض خاتمه، فقرأه حتى انتهى إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته، إلا أني رأيت أخاه أرق منه، ثم قال: ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟، فقلت: اتبعوه إما راغب في الإسلام وإما مقهور بالسيف، قال: ومن معه؟، قلت: الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره، وعرفوا بعقولهم مع هدي الله إياهم أنهم كانوا في ضلال، فما أعلم أحدًا بقي غيرك في هذه الحرجة، وإن أنت لم تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل، ويبيد خضرائك، فأسلم تسلم، ويستعملك على قومك، ولا تدخل عليك الخيل والرجال.
قال: دعني يومي هذا وارجع إلى غدًا.
فرجعت إلى أخيه، فقال: يا عمرو إني لأرجو أن يسلم إن لم يضن بملكه، حتى إذا كان الغد أتيت إليه، فأبي أن يأذن لي، فانصرفت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه، فأوصلني إليه، فقال: إني فكرت فيما دعوتني إليه، فإذا أنا أضعف العرب إن ملَّكت رجلًا ما في يدي، وهو لا يبلغ خيله هنا، وإن بلغت خيله ألفت قتالًا ليس كقتال من لاقاه.
قلت: وأنا خارج غدًا، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال: ما نحن فيما قد ظهر عليه، وكل من أرسل إليه قد أجابه. فأصبح فأرسل إليَّ فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعًا، وصدقا النبي صلى الله عليه وسلم، وخليا بيني وبين الصدقة، وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لي عونًا على من خالفني. اهـ.